إن
ما يحدث مع معظمنا عندما تواجهه مشكلة أو تحدى ليس نوعـاً مـن التفكير الإبداعى ، أو
التفكير المنتج الفعال ، وإنما هو اقرب ما يكون الى معركة داخلية بين المعتقدات ، والقيم ، والأفكار ، والخبرات
السابقة جميعها تقع تحت سيطرة المشاعر التى غالباً ما تكون سلبية ، تبدأ المعركة
الداخلية عقب إنتهاء الحدث من على ارض
الواقع ، حيث يبدأ عمل الناقد المرضى مردداً بصوت داخلى : كان يجب أن نفعل كذا ، وكذا
، ويجب أن نقول كذا ، وكذا ، ولا يجب أن نترك الأمـر هكذا ، ثـم يقـوم بوضع إفتراض
لسيناريو تخيلى ، ينتهى بنا الإفتراض الى نتيجة من نفس نوع الإفتراض ، فإذا كان
الإفتراض سلبى ــ وهو الذى يحدث فى الغالب ــ فلابد أن تكون النتيجة سلبية ، وبناء
على هذه النتيجه نصدر حكم يحدد سلوكنا فيما بعد .
ثم ننتقل لسيناريو أخر بنتيجه مختلفة ، ولكنها
تتفق مع الأولى فـى السلبية ، لتنتهى بحكم مختلف ، ثم سلوك مغايير تماما للواقـع ،
ثـم سيناريو ثالث ، وهكذا دواليك ، نجد أنفسنا
نبتعد عن المشكلة الأساسية ، ونغرق
فى دائرة من المشاعر السلبية لا أول لها ،
ولا أخر ، ولا نستطيع ايقافها ، وكل ما نستطيع
فعله هـو أن نـدور معها حتى تظهر مشكله أخرى لنعيد نفس الأحداث من جديد ، وفى
النهايه نتساءل لماذا نحن غير ماهرون فى حل
المشكلات ؟ لماذا لا نستطيع الابداع ؟
إن
الإجابة ببساطه تتمثل فى إنك تملك عقلاً مزدحماً ، عقلاً لا يجد فرصة للتفكير فـى
الحلول ، فقد اغرقته بالتفكير السلبى غير المنتج ، إن الحلـول لا تأتـى إلا للعقول
المهيأة ، والمستعدة لها ، عندما كان اليكساندر فليمنج يدرس بكتيريا مهلكة عـام
1928م وفى مرة من المرات رفع غطاء وعـاء
المزرعة البكتيرية الزجاجى ، ولاحظ أنها أصبحت ملوثة مصادفة ، لقد تكون فطر فـوق
المزرعة المكشوفة ، ولكن لاحظ فليمينج ايضاً أن البكتيريا إختفت فى المنطقة
المحيطة بالفطر ، وكان ذلك دلالة على أن الفطر قاتل فعال للميكروبات ، ولا يؤذى
النسيج البشرى ، عكف فليمينج على دراسة هذا الفطر ، وإختباره على الحيوانات
المحلية ، حتى قاده عمله لإكتشاف البنسلين ، الذى كان له الفضل فى انقاذ حياة
الملايين حول العالم .
قال لويس باستير Louis
Pasteur ، الكيميائى الفرنسى الذى أسس علم الأحياء المجهرى
، وإخترع عملية البستره " إن الفرصة تأتى فقط للعقل المهيأ لها ، لقد كان
فليمينج مهيأً تماماً لملاحظة الخيط الـذى قاده لإختراعه للبنسلين " .
وأنت
لكى تمتلك عقلاً مهيأً ، عليك التوقف فوراًً عن الصراعات ، والمعارك العقليه ، وهذا هو السر الأول للابداع ( انهاء الصراع العقلى ) عليك
عند مواجهة أية مشكلة أن تحدد الهدف من التفكير فـى المشكلة أولاً ، ثم الإنتباه
الشديد لإدراك التلميحات وتفسيرها عند رؤيتها ، والقدرة على التزام الإنتباه ،
والحساسية تجاه الأمور غير المتوقعة أثناء مراقبة الأمور المتوقعة .
وفى هذا الصدد كتب السير تشارلز جوديير "
كنت اسعى على مدار سنوات كثيرة لتحقيق هذا الهدف ، ولـم اسمح لأى شىء مرتبط بهذا
الهدف بالإفلات من انتباهى ، وحالتى تلك تشبه سقوط التفاحة أمام نظر نيوتن ، فقد
أوحى هذا الموقف بحقيقة مهمة لشخص عقله مستعد مسبقا للإستنباط من أى طارىء قد يخدم هدفه البحثى ، رغم إعترافى بأن كل هذه
الإكتشافات لم تكن نتيجة التحقيق الكيميائى العلمى ، فإننى لن اعترف بأنها نتيجة
ما يمكن أن يطلق عليه مصادفة ، بوجه عام ، أعترف بأنها كانت نتيجة التطبيق
والمراقبة عن كثب " .
إننى لا اعلم كم ضاع من عمرك حتى الآن ، ولكن ما اعلمه
جيداًً إن ما تبقى لك كاف لإخراج إبداعك ،
وعبقريتك ، وكاف لأن تترك بصمتك فى أية مجال ، ومكان متواجد
بهما . إن الشكوك التى تراودك ، والتى تفترض انها مبنية على التفكير المنطقـى
والتقييم الموضـوعى لبيانات صحيحة عـن نفسك ، تضرب بجذورها فـى افكارك البالية ،
فشكوكك لا تنتج عـن تفكير دقيق ، ولكن تفكير إعتيادى فقد قبلت منذ سنوات
بالإستنتاجات المغلوطة وكأنها صحيحة ، وبدات تعيش حياتك وكأن هذه الأفكار المشوهة
عن قدراتك الكامنة صحيحة ، وتوقفت عن القيام بالتجارب التى تنم عن شجاعة فى الحياة
والتى نتج عنها العديد من السلوكيات المثمرة وأنت طفل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق